.
نشرت الصحف البحرينية معلومات مقتضبة عن ‘’مصادر بالقاعدة الأميركية’’ حول حادث إطلاق نار في الثكنات العسكرية الأميركية في الجفير الذي أودى بحياة مجندتين وإصابة آخر. ومن المصادر نفسها عرفنا أن الأجهزة الأمنية التابعة للجيش الأميركي تتولى التحقيق وأنها تقوم إبلاغ السلطات الأمنية البحرينية بمجريات التحقيق أولا بأول (1)ا
.
ما يثير قلقي الشخصي والسياسي هو ما تسرب من أخبار غير مؤكدة [2] عن أن القادة الأميركيين في الجفير كانوا يعلمون باضطراب حالة الجاني النفسية ومع ذلك سمحوا له بحمل السلاح، لا بل وأن يكون جزءا من جهاز أمن القاعدة. فهل يعرفُ أحدٌ في القاعدة أو خارجها عن وجود جنود آخرين يعانون من اضطرابات نفسية ويحملون السلاح ويتجولون بحرية في القاعدة الأميركية وحولها؟ا
.
أتعاطف مع أهالي القتيلتيْن والجاني وأحزن على ضياع شباب في هذه السن اليافع وبغير مبرر. وفي الوقت نفسه يعيدني الحادثُ المؤلم إلى أسئلة ومخاوف ثارت في ذهني في إحدى زياراتي الأخيرة للبحرين. حينها نزلتُ مع عائلتي في فندقٍ مجاور لعمارات يسكنها عسكريون أميركيون بصفة دائمة أو في إجازاتهم الدورية. لم نشعر في حياتنا بمثل ما شعرنا به من خوف في تلك الفترة وخصوصاً في أيام العطل الأسبوعية. أقولُ هذا رغم أننا تعايشنا في الماضي مع أوضاع قاسية في لبنان وغيرها
.
أحتاج لتفصيل ما يفعل جنودٌ في ريعان شبابهم. فهناك عنفوان الشباب وطيشه وخليط من مال وخمور ونساء فقيرات يستوردهن تجار اللحم البشري. وفوق ذلك هناك الاستهتار. فالجنود يعرفون أن لهم ‘’حصانة’’ تجعلهم خارج سلطة الدولة التي يقيمون فيها. متى ستنطلق رصاصة طائشة؟ ومتى سيكون أحدنا هدفاً لجندي سكران أو عنصري مجنون أو مضطرب عقلياً؟ لم تطل إقامتنا في ذلك الفندق لحسن الحظ. إلا أن مخاوفنا تأكدت للأسف حين سقط المرحوم عباس الشاخوري في 30/3/2007 برصاصة ‘’مجهولة المصدر’’ بينما كان يعمل حارساً في فندق يقع في المنطقة نفسها تقريباً (3) ا
.
أعرفُ أن الموت حق، لكن أن تموت برصاصة طائشة هو موتٌ عبثي لا يستحقه أيٌ منا. لنفترض وقوع حادثة مماثلة لحادثة الجفير الأخيرة في أحد المجمعات وأدت إلى إصابة أو موت بعض المتسوقين الأبرياء. أو لنفترض أن رصاصة ‘’مجهولة المصدر’’ كالتي أصابت المرحوم الشاخوري في فندق البستان أصابت شخصاً أو أشخاصاً آخرين في أماكن أخرى. هل ستقوم الأجهزة الأمنية البحرينية بواجبها وتعتقل الفاعل بالجرم المشهود لتقوم النيابة بالتحقيق معه حسب الأصول المرعية قبل أن تحيله إلى المحاكم البحرينية؟ جواب هذا السؤال وأمثاله هو النفي. فأقصى ما تستطيع سلطاتنا أن تفعله هو احتجازه في مكان الجريمة إلى حين تسليمه إلى الشرطة العسكرية الأميركية التي ستتخذ ما تراه من إجراءات
.
رغم ما يقال عن الشفافية والمكاشفة والشراكة، لا يعرف الناس، وحتى نوابهم، شيئاً عن بنود الاتفاقية التي بموجبها تستخدم الولايات المتحدة الأميركية قاعدة الجفير البحرية وقاعدة الشيخ عيسى الجوية علاوة على مياه البحرين الإقليمية. إلا أنني لا أستبعد أن في بنودها ما يتعلق بحصانة العناصر التابعة للقوات المسلحة الأميركية وما يمنع مقاضاتهم أمام المحاكم المحلية. وحتى بافتراض أن الاتفاقية التي مُدِّد العمل به لعشر سنوات أخرى تمتد إلى العام 2011 لا تتضمن نصاً صريحا بهذا المعنى. وحتى بافتراض قيام الشرطة البحرينية باعتقال أحد الجنود الأميركيين متلبساً بالجرم المشهود فإن الأمر لن ينتهي في المحاكم البحرينية. فمن المعروف أن الحكومة الأميركية لا تسمح بذلك حتى لحلفائها الاستراتيجيين الأكثر وزناً. وفوق هذا فهي تستند إلى قانون عجيب يُعرف إعلامياً بقانون ‘’غزو لاهاي’’ لأنه يُجيز للولايات المتحدة الأميركية استخدام القوة، حتى لو تطلب الأمر غزو مدينة لاهاي الهولندية، مقر المحكمة الجنائية الدولية، في حال احتجاز مواطن أميركي لمحاكمته بسبب اتهامات بضلوعه في جرائم ضد البشرية كالتي تُرتكب يوميا في العراق أو تحت غطاء الحرب على الإرهاب [4]. فما بالك بجنود سكارى أو مجانين أو يعانون من اضطرابات نفسية
.
.
.
مقال منشور في الوقت بتاريخ 30/10/2007
.
.
No comments:
Post a Comment