Blog Archive

Tuesday, May 13, 2008

المواطنة الدستورية

.

.
:
تقارن بعض الدراسات المعنية بنظم الحكم بين سهولة إقامة نظام سياسي وإدامته وبين صعوبة بناء دولة. فالنظام السياسي سواءً كان ظالماً أو عادلاً، غنياً أو فقيراً، متسامحاً أو متشدداً فإنه يستطيع استخدام أدوات الحكم المتاحة له للبقاء أطول فترة ممكنة. ولا تنحصر هذه الأدوات في العددِ والعتاد والمال والقدرة على كسب المناصرين في الداخل والخارج بل وتشمل القدرة على إضعاف الأطراف المعارضة بقمعها أو تشطيرها أو باستلحاقها. فهذه الأدوات توفر لسَدنة النظام إمكانية الحفاظ على الإستقرار لفترات طويلة. إلا إن النظام مهما كان متجبراً أو غنياً أو كريما ومهما كانت درجة ضعف معارضيه لن يتمكن من بناء دولة ووطن بدون الشرعية التي تمحضها له الناس طوعاً لا جبراً
.
انطلق مؤسسو هيئة الاتحاد الوطني في خمسينيات القرن الماضي من الاقتناعٍ بأن الأوطان إنما تُشاد على الشراكة الطوعية وليس على الجبْر بالقمع أو العطايا. وأصبح هذا الاقتناع قاعدة الخطاب السياسي الذي اعتمدته أغلب المعارضة طوال العقود التي تلت قمع الهيئة بنفي قادتها وسجنهم وتشريدهم واستلحاق بعضهم. لم يكن قادة الهيئة خبراء في الهندسة الاجتماعية لكنهم حاولوا كما حاول من تلاهم أن يروِّجوا لمشروعٍ اعتبروه طريق البلاد للخلاص مما هي فيه. وهو مشروعٌ يبدأ بالتراضي على بناء وطن يتشارك في امتلاكه وفي حبه جميع مواطنيه ومواطناته. والشراكة المقصودة ليست شراكة بين المتنفذين في التعاضديات التقليدية ولا بين رموز طائفتيْن أو وجهاء مناطق سكنية بل شراكة بين أفراد أحرار يتوافقون على إرادة العيش المشترك كمواطنين متساوين
.
أقول لم يكن قادة الهيئة ولا من خطا على خطاهم خبراء في الهندسة الاجتماعية، إلا أن الفكرة التي انطلقوا منها تتلخص في تأكيدهم بأن المشكلة التي تعاني منها البلاد ليست بين شيعة وسُّنّة. بل هي تكمن في الاستراتيجية التي تنطلق من اعتبار الناسَ رعية والبلادَ مزرعة. ولهذا استمرت الحركة الوطنية طوال العقود الماضية في الدعوة لإقامة الوطن الذي يتساوى فيه أهله. وللأسف ما زالت تلك الفكرة، على بساطتها، معلقة في الهواء ومازال إنجازها مطلوباً. فالمشكلة التي واجهت قادة الهيئة هي نفسها التي تواجهنا الآن. وهي المشكلة ذاتها التي تجعل شاباً عاطلاً عن العمل يشتكي من التمييز. وهي المشكلة ذاتها التي تبرر عدم سعي وزارة الداخلية أو غيرها من الوزارات لاختبار صلاحية ذلك الشاب للعمل فيها بدلاً من توجهها إلى البلدان البعيدة لتجنيد من تتوفر فيهم شروطها
.
.
.
.:
:

No comments: