Blog Archive

Thursday, August 27, 2009

ماذا عن اليسار اللبناني؟

.
.

«أنا أعرفك من أعمالك. لست بارداً أو حاراً... ولأنك فاتر، فأني مزمع أن ألفظك من فمي» (رؤيا يوحنا
لن يكون المرء بحاجة إلى عناء كبير لكي يلاحظ ذلك التدني في الخطاب السياسي الرائج، وغلبة العصبيات الطائفية والمذهبية على العصبية الوطنية، والمحـاولات التي تبذلها القوى المهيمنة في الدولة والمجتمع لتزيــين الوعي، ومحو الذاكرة لدى الناس لكي يقبلوا في آن بواقع الأمور، وبالأمر الواقع. غير أن هذا ليس سوى جانب من الموضوع. ا
أما الجانب الآخر، وهو بنظرنا الأهم فهو فتور الهمة لدى القوى اللاطائفية ـ الديموقراطية، ولا سيما أهل اليسار، وتعودها عن التصدي لجوهر الأزمة التي تعاني منها الدولة والنظام والصيغة، وقبول البعض منها، في أحيان كثيرة أن تكون مجرد «فرق عملة» أو «قيمة مضافة» إلى قوى النظام، وحتى أحيانا مجرد صورة عنها لا تختلف إلا في اللون. وفي الواقع، فإن اليسار اللبناني بمعظمه ما زال يعتبر نفسه «يسار النظام القائم» وليس ذلك اليسار «القائم على النظام»، وذلك الذي يسعى إلى إصلاحه لا الى تغييره، علما بأن ثمة قوى من صلب الطبقة الحاكمة يدفع بها بعد نظرها الى طرح مقولات تشكل مسّاً بالمحرمات، وبمختلف أنواع «الطابو» التي يراد فرض قدسيته على الناس.ا
لن نذهب بعيدا كي نفتش عن الأمثلة والدلائل، يكفي أن نسترجع الطريقة التي خاض بها اليسار الانتخابات. بل أن نتوقف عند قرار خوضها، في حين كان بإمكانه قيادة حملة شعبية واسعة من أجل مقاطعتها لكونها مزورة سلفا بفعل ذلك القانون الذي جرى «التوافق» عليه، ولكون الصراع الوحيد الذي يمكن أن يدور خلالها هو على ما بقي من الحصص التي لم يجر الاتفاق عليها، وتركت لكي «يحسمها الشعب»... ولقد فوت اليسار، والقوى العلمانية ـ الديموقراطية إجمالا فرصة ذهبية للطعن في شرعية السلطة التي سوف تنبثق عن مثل هذه الانتخابات التي جرت وفقا لذلك القانون، ومن خلال تدخلات خارجية كرست استتباع البلد وإخضاعه لعدد من الوصايات يفوق عدد أصابع اليد.ا
ولكن هذا الموقف لم يكن وليد صدفة، أو نتيجة قصور جزئي بل كان خطوة في طريق طويلة ما زال اليسار اللبناني بمعظمه سادرا فيها، وهي تلك التي لا توصله إلى المس بجوهر الدولة القائمة ونظامها وصيغتها، وبشرعية كل منها، لسنا نقصد من قولنا هذا الدعوة إلى تناسي الوقائع ـ موازين القوى والمرحلية في العمل السياسي، لكننا نرى ضرورة السعي إلى تغيير كل ذلك لأنه لا يجوز أن يبقى الناس عندنا بفعل الهيمنة الفئوية بين خيارين أحلاهما مرّ: أولهما اليأس والاستكانة أو الهجرة، والآخر هو الانضواء تحت رايات السلفية، والخروج الطوعي من التاريخ.ا
ويتماثل اليسار في أحيان كثيرة مع القوى المهيمنة وكأنه يأخذ بمقولة أن «الناس على دين ملوكهم». فالمحاسبة غير واردة عنده، بل حتى المراجعة النقدية الجدية. ودليلنا أن أياً من أحزابه أو تنظيماته لم يحاسب قياداته على ما فعلت في الانتخابات. أما المراجعات التي قامت بها فإنها لم تتعد الكلام عن «الظروف الموضوعية» و«الظروف الذاتية» التي يؤثر كل منهما سلبا على الآخر، كما أنها لم تتعد توزيع المسؤوليات في ما بين الهيئات القيادية، والهيئات الوسطى، والقاعدة بحيث يخرج الجميع أبرياء، وينتصر «الموضوعي» للـ«ذاتي» والعكس بالعكس، وتفوز السفسطة على السياسة. ولا يقتصر عدم احترام الديموقراطية على تلك الـقوى المهيمنة في الدولة والمجتمع التي ليست بحاجة أصلا اليها إلا على سبيل التمويه. فإن الوضع الداخلي لدى معظم التنظيمات التي نتحدث عنها ليس بأفضل، ألم تسمعوا بأن حزبا عقد مؤتمرا له انتخب لجنة مركزية قامت بدورها بانتخاب مكتب سياسي فوصل الى هذه الهيئة القيادية الأعلى فيه أولئك الذين نالوا العدد الأقل من الأصوات بين المرشحين إلى اللجنة المركزية؟ ا
إن اليسار اللبناني بمختلف فصائله لا يمكن أن يبقى على هذه الصورة. ومعه ايضا لا ينفع الإصلاح. انه بحاجة إلى إعادة بناء وإلى التغيير. ويجب أن يبدأ التغيير من فوق. وان يكون هدفه الأول هو استعادته هويته السياسية والطبقية وإلا فإن الناس سوف يلفظونه من فمهم
.
.