Blog Archive

Thursday, February 25, 2010

لايموت من يصنع الحياة


فقدنا مجيد مرهون بيننا ولكنه لم يمت حقاً. فلا يموت من يصنع حياة. ومجيد صانع حياة تتمثل في موسيقاه التي عرفه الناس في مختلف مراحل حياته. فحتى قبل أن يختطفه السجن في نهاية الستينات كان مجيد وشبابٌ في عمره يشقون طريقاً تعطي للحياة معنىً إضافياً بل وأغنى. يتذكره بعضنا مع رفاقه في مقدمة المواكب الحسينية ينقلون إلى آذان الناس في أحياء المنامة موسيقى يختلطُ فيها الجاز مع إيقاعات الدوندو. تخدعنا رنات الطوس وأصوات الطبول وأنغام السكسفون فنسمع جحلم جحلم جحلم ولكننا كنا نستمع أيضاً إلى أصداء أحزان متراكمة عبر قرون من القهر والاستعباد. وفي السجن كانت موسيقاه على الكلارينيت تحمل سكان تلك الجزيرة بعيداً إلى حيث يحلم الناس دون خوفٍ من عقاب. لم أشكره يوماً على ما فعلت موسيقاه بي وبعشرات غيري ممن انتقلوا على أجنحتها في هدأة ليل السجن إلى أحضان من نحب. ولقد حان الوقت لأن نشكره
.
حُكم على مجيد بالسجن مدى الحياة لقيامه بعملٍ عنفي يصنفه كثيرون من أصحابنا التوابين هذه الأيام تحت خانة الإرهاب. ولكن السلطة لم تكتفِ بتنفيذ العقوبة التي حكمت المحكمة بها بل أضافت على تلك العقوبة وأفاضت. فلقد أمضى مجيد سنوات سجنه الأولى وهو مكبلٌ بقيديْن في قدميه ويديه تربطهما سلسلة حديدية يجرها طوال اليوم وحتى عند نومه. وحُرم مجيد وهو في السجن مرات عدة ولفترات طويلة من مغادرة زنزاته الانفرادية. ومُنعت أمه من زيارته. ومع ذلك بقيَ مجيد عنيداً
.
يقال إن لكلٍ منا عصاه التي يتوكأ عليها ويهش بها أحزانه ويستقوي بها. وكانت الموسيقى عصاة مجيد. فخرج من السجن رافع الرأس. ولكن هل يجب أن تنتهي القصة حيث انتهت؟ ألم يحن الوقت لأن نتحدث عن تفاصيل العقود الخمسة الماضية بصراحة؟ أم علينا أن نكتفي بأن نطالب بتسمية شارع باسم مجيد؟ا
.
أتمنى، رغم الإشارات المقلقة، ألا يتم اختزال دور مجيد إلى أقل مما هو فعلاً وأقل مما مثله في تاريخنا الوطني. فلقد كان مجيد شاهداً وفاعلاً في الوقت نفسه. فما أسوأ المآل حين يتم تحويل المناضل إلى مجرد شيء حتى ولو كان هذا الشيء راية نرفعها فوق الرؤوس ونسمي الدروع أو الجوائز باسمها. وفوق ذلك فما أظن مجيداً سيقلق كثيراً خوفاً من أن يأتي يومٌ ينساه فيه الناس. نعم بعضنا سينساه الناس بمجرد موته. وبعضنا يود قبل أن يموت لو كان نسياً منسياً. ولكن مجيد مرهون ليس من بين هؤلاء. فلا يموت من يصنع حياة. فما بالك بمن يصنعها بموسيقى هي إعلان حب للحياة ذاتها وعقد عشق مع الناس
.
.
.
.

No comments: