Blog Archive

Tuesday, March 01, 2011

بشائرالتغيير

. .
ما تشهده البحرين من حراك غير مسبوق هو تباشير التغيير نحو مستقبل نبني فيه الدولة الدستورية التي تحتضن مواطنيها ومواطناتها وتكفل لهم جميع حقوق المواطنة المتساوية. ومعلومٌ أن الدولة الدستورية الحقة لا تقوم مع الإصرار على موروثات الغزو. كما لا تقوم إلا عبر ممارسة تقوم على أن الشعب هو مصدر السلطات جميعاً.

التغييرُ آتٍ لا محالة رغم ما نقرأه من تهديدات في بعض أجهزة الإعلام التي تنذرنا كل صباح ومساء بالويل والثبور إن لم ينته الإعتصام و تتوقف الإحتجاجات. بل وسمعنا بعض أبواق السلطة تهدد بالحرب الأهلية إذا ما تجاوزت المطالبة بالتغيير سقف ما يسمونه بالمطالب "المعقولة". ولا شك أن من بين ذوي النوايا الحسنة كثيرون يصدقون هذا الهراء ويرددونه.

التغييرُ آتٍ لا محالة. فنحن الآن أمام خريطة جديدة وضع خطوطها الأولى شبابٌ خرجوا في الرابع عشر من فبراير وأرواحهم على أكفهم. وهي خريطة تزداد إتساعاً وتزداد وضوحاً في كل يوم بعد أن زينتها الدماء التي سُفِكت غدراً وجبروتاً. وهي خريطةٌ ترسمها أيدي البحرينيين والبحرينيات وليس أيدي أوباما أو أيٍ من القوى الدولية و الإقليمية التي تتحرك الآن لكبح حركة. فلو كانت الأمور تسير على هوى الرئيس الأميركي وعلى هوى القوى الدولية و الإقليمية لما سقط بن علي ولا مبارك ولا أخذت الكراسي والعروش تهتز من المحيط إلى الخليج.

إلا أن الوصول إلى ذلك المستقبلَ الواعدَ مرهونٌ بقدرة قيادات المعارضة على المحافظة على تماسك صفوفها وصمودها أمام سيوف المعز المُشهرة ومقاومتها لرنين ذهبه. فلكي ندشن بناء الدولة الدستورية الحقة نحتاج إلى أن توافق شعبي لابد منه منه قبل التفاوض مع من يملك القرار في السلطة على خارطة طريق تقود البلاد إلى هدفها.

ولن نتوصل إلى هذا التوافق الشعبي إلا بالحوار الجدي والمسئول بين مختلف فئات الناس. وهنا لابد من الإشادة بموقف الجمعيات السبع وحوارها مع القوى السياسية والشخصيات الوطنية المعارضة للوصول إلى رؤية وطنية مشتركة حول طبيعة التغيير المطلوب. وهي رؤية لا شك إنها ستنطلق من التأكيد على توفير الضمانات اللازمة لجدية المفاوضات مع ممثلي السلطة وضمانات الإلتزام بنتائجها. فلا ثقة في سلطة لم تعلن حتى الآن عن أسماء المسئولين عن "غزوة دوار اللؤلؤة" ووعن نيتها على محاسبتهم. ولا ثقة في سلطة لا تعترف بأنها تعاني من أزمة مركبة دستورية وأمنية. بل نراها تتصرف وكأن الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ فبراير 2002 هي أزمة علاقات عامة يمكن حلها بالضجيج الإعلامي.

لم يترك القيِّمون على النظام فرصة للأمل في إصلاحه لا لدى معارضيه ولا لدى من إصطفوا خلفه طمعاً أو خوفاً. فمن من يصدق سلطة نسمع منها هذه الساعة كلاماً يبشر بالخير ثم نرى منهافي ساعة أخرى أفعالاً وتحركات تنذر بالخطر؟

لقد صدق كثيرون دعوة سمو ولي العهد إلى الحوار. ولكنهم رأوا جلالة الملك يزور مقر قيادة قوة الدفاع ووزارة الداخلية ليشكر ضباطه فيهما ويهنئهم على أدائهم مهامهم بنجاح. ألم يكن سفك دماء المعتصمين في الدوار غدراً وهم نيام جزءً من تلك المهام التي أداها أولئك الضباط بنجاح؟ أحقاً يستحقون التهنئة على تلك الفعلة الإجرامية؟ بعد تلك الزيارتيْن هل يستطيع أحدٌ أن يلوم أهالي ضحايا "غزوة دوار اللؤلؤة" أن هم لجئوا إلى المحاكم الدولية للإقتصاص ممن أمر وخطط ونفذ تلك الغزوة وتسبب في قتل وجرح وإعاقة المعتصمين العزل وهم نيام؟

ومع إن سمو ولي العهد لم يتبع دعوته بإجراءات جدية لبناء الثقة فلقد صدّق بعضنا تأكيداته بأن "لا خطوط حمر في الحوار". ولكننا جميعاً نرى في الوقت نفسه كيف يشجع رئيس الوزراء أزلامه على تحشيد الوفود إلى قصره تأييداً لبقائه في واجهة النظام رغم أكثر من أربعين عاماً من الفساد والإفساد. ألا يستفزرئيس الوزراء مشاعر الناس بهذه الحركات؟

أكرر الأمل في أن قيادات المعارضة ستبقى صامدة ومتماسكة الصفوف أمام الإغراءات والتهديدات. كما أكرر الرجاء ألا تزج المعارضة نفسها في جلسات حوارعقيم مع السلطة بدون ضمانات جدية. فلابد من هذه الضمانات كي تزول بعض آثار التكاذب المتكرر الذي سمح للسلطة أن تخدع الناس في السابق بتغييرات شكلية. فبدون هذه الضمانات لن غيرهيؤدي الحوار مع السلطة إلى أكثر من محاصصة ظاهرية أو تقاسم مغانم سرعان ما يمحوها الغدرُ كما محا كثيراً من قبل.

الدكتور عبدالهادي خلف

(1/3/2011)



No comments: