.........................
لقراءة الخلفية التي إستندت عليها الإستنتاجات التالية , إقرأ النص الكامل لتلك المحاضرة
........................
ما زلنا في حاجـة إلى الاتفاق على هذه المعيقات ( التي تعيق بناء الدولة الدستورية), و في حاجة إلى التعاطي معها بما تســــتحقه من اهتمام و أولوية في ســـلم أولوياتنا الوطنية الذي نتوافق عليه . أما مســألة التوقيت فتـبقى مسـألة ثانوية. فنحن حين نتوافق على ســلم أولـويـاتنا يصبح سـهلاً علينا التوافق على تأجيل التعاطي مع هذه العقبة أو تلك .
الخوف على المشـروع الإصلاحي كان وراء ارتفـاع صوتي و حدة نبراته لا الرغبة في إحراج الطبالين و الطبالات و حارقي البخور و حارقـاته .
نـعم . لـن تقـوم دولـة دســـتورية حـقة في بلادنـا دون التغلب على هذه العقبات بمشـاركة طرفين : المـلك و من معه و الشـعب و ممثليه المنتخبين و لا بد للطـرفين , كأي شــريكين , أن يثـقا في نوايا أحدهـما الآخـر . فمن نافل القول أن الصدقية هي شـرط لنـجاح أي عمل مشــترك يقوم على التراضي و التوافق لا على الخضوع و الإخضاع .
عـلى المعارضة , بدرجـاتها , أن تضع جميع هواجســـها , جميع هواجســـنا , جميع مخاوفـنا, جميع أولوياتنا الســـياســية واضـحة أمام الطرف الآخر , من جهة , و أمام الناس من الجهة الأخرى .
لا يـمكن و لا يجب أن نتذاكى على الطرف الآخر أو على الناس . و لا يمكن أن نحتمى هنا بالتقيـة . كما لا يجب أن نتبارى على من منا يقوم بدور ابن العاص في تحكيم معركة الجمـل .
لـكن موقفا كهذا كان يحتاج إلى وحدة المعارضة أو على الأقل كان يحتاج إلى درجات عالية من التنسـيق فيما بينها . و هذا ما افتقدناه منذ اليوم التالي للتصويت على الميـثاق . أي منذ 16 فبراير عام 2001 .
فمنـذ ذلك اليوم بدأ التباعد بين قوى المعارضة و بدأ ما ســماه الجابرى نقلا عن الجوينى بالتدافع و التنافي بين المعارضة بدلا عن التعاون و التوافق. و بدأ التدافع على ما ظنه بعضنا أسـلاباً و غنائـم . فهذا يطلب شيئا ً لنفســه في الغالب , و تلك تطلب شــيئا آخر لنفســها في الغالب أيضا. و ما خفي ربما كان أعظم .
و كمـا تنازع أســـلافنا بعد معركة أحـد بعد أن أراهـم الله ما يحبون رأينا أطرافاً أســــــاسـية في المعارضة البحرينية تتدافع كل من جهته , وبمفرده, ســراً و دون علم الآخرين نحو غنائـم مرجوة جلها شخصي للأسـف .
لا ألـوم هنا أحداً بذاته أو بذاتها . فاللوم موجه للجميع بمن فيهم نحن الذين كنا نرى التدافع و لم نقم بالتحذير منه بصوت أكثر علواً مما فعـلنا .
لقـد أدى التدافع بين قـادة قـوى المعارضـة إلى القبول بإرجاء عدد من الملفات العالقة و إلى عدم التعاطي مع معيقات المشـــروع الإصلاحي , وتم إســكات جميع الأصوات التي ارتفعت محذرة من مغبة هذا الأرجاء وذلك التجاهل بحجة عدم اســـتثارة الحرس القديم , أو بحجة ســوء التوقيت , أو بحجة أن التنبيه إلى المخاطر هو تشــكيك لا يليق بمصداقية عظمة المـلك و مشـــروعه الإصلاحي .
شـيئاً فشـيئاً جردت المعارضة نفسـها مما تبقى في أيديها من أدوات التفاوض إن لم نقل أدوات الضـغط .
فـكما رأينا تم الإعلان انفرادياً عن نهاية لجنة العريضة و لم تفلح جميع المســــاعي التي بذلت لاحيائها كواجهة لها شـــرعيتها التاريخية كـهيئة موحدة للمعارضة بتلاوينها المختلفة الوطنية و الإســلامية و باعتبارها , آي لجنة العريضة , هي واجهة الحركة الدســتورية التي عرفنا بها في البحرين و في المحافل الإقليمية و الدوليـة .
هـناك أطراف عدة رأت في إنهاء لجـنة العريضة مكســــــباً لها . ولكننا سـرعان ما اكتشـفنا أن إنهاء لجنة العريضة كان بداية التفتيت اللاحق منذ 16 فبراير عام 2001 و حتى الآن .
لـم تـكن المسـألة مسـألة شـكلية . فغياب لجنة العريضة أصبح يعنى عدم وجود طرف يمثل المعارضة في أية مفاوضات مع سـمو الأمير و فريقه آنذاك . و لـهذا لم يتمكن أي طرف من أطراف المعارضة على اختلاف تلاوينها من إقناع سـمو الأمير و فريقه بفائدة التفاوض و ضرورته للجميع فكان أن اصبح كل طرف يمثل نفســه و مناصريه . و تبين أن لكل طرف مصـالحه الفئوية و مطالبه الخاصة.
فإذا أضفنا إلى هذا ضعف إمكانيات أطراف المعارضة الســـياســــية بالمقارنة إلى خبرة الحكم و إمكانياته , علاوة على البراعة التكتيكية التي يمتلك عظمة المـلك زمامها . ومســاحة الحركـة التي تتيحها له إمكانيات الدولة الريعية بالإضافة إلى كرمه الملحوظ في الاســـتجابة إلى جميع المطالب الخدمية التى رفعتها له قوى المعارضة الســـياســية ووجهاء المجتمع .
للمـكرمات كما هو معروف دور هام في تراثنا الســــياســي في البحرين فهي أحد أهم أدوات رســم الخريطة السـياسـية و الاجتماعية في بلادنـا . بل كانت و ما تزال تمثل في نظري الأداة الأهم في استقرار النظام و إدامة تنائية السـيطرة و الخضوع .
اسـتمرت المكرمات حتى في الفترة التالية للتصويت على الميثاق في أداء دورها التاريخي في تقرير مدى وحجم و و سرعة تدوير النخب السـياسـية و الاجتماعية , في إعادة تشـكيل هذه النخب بما يلائم توجهات النظام الظرفية و الاسـتراتيجية .
أتاحت كل هذه العوامل و في ظل تطورات إقليمية و دولية ملائمة أن يصبح عظمـة المـلك كما يريد هو نفسـه اللاعب الوحيد في السـاحة فهو الذي يحدد معنى العملية التغييرية و مداها و مجالاتها و رجالاتها و نسـائها و هو الذي يمولها و الذي يحدد إطار المصلحة الوطنية العليا و ما يحتمله هذه الإطار و ما لا يحتمله .
في ظـل هذا الدور المركزي للمـلك أصبحت أدوارنا جميعاً , وبخاصة أدوار قـادة المعارضـة السـابقين ثـانوية, و في حالات معينة من باب لـزوم ما لا يـلزم .
على مضض قبلت بعض القيادات السـياسـية بهذا الدور الهامشي , أما البعض الآخر فقبلها بترحيب شـديد تعبر عنه مثلا إلى اليوم مقالات بعضهم ممن حصلوا على المكرمة المثلثة أو مكرمات شــخصية أخرى .
و بافتراض حســن النوايا لدى الجميع , كان هذا القبول في مجمله بهذا الدور الهامشي هو ثمن ظن بعضنا ضرورة دفعه لضمان اسـتمرار المسـيرة الإصلاحية و تطورها سـريعا باتجاه الانتخابات البرلمانية . وعندها , حســبما ظن بعضنا أيضا , سيكون لكل حادث حديث .
لقـد تغيرت قواعد اللعبة , لا بل تغيرت اللعبة نفســــها قبل أسبوعين في 15 فبراير عام 2002. و ما أرانا إلا على مشارف أزمة دسـتورية أرجو من الله أن نكون جميعا قادرين على تحاشـى تحولها إلى أزمة مركبة دســتورية و سـياســية و أمنية . و يتطلب هذا حســبما أرى تظافر جهودنا جميعا , ملـكاً و نخباً سـياسـية , معارضة وموالية , و شــــخصيات اجتماعية لكي نتحاشـــى عودتنا إلى ما كنا عليه قبل الميـثاق , و لكي نعود جميعا إلى البحث الحثيث عن إجراءات إعادة بناء الثقة بين الشـعب و الحـكم .
لســت في موضع يؤهلني لمخاطبة عظمة المـلك و لســت في وارد الإشــارة عليه فهو يعرف أكثر مما أعرف , أن مظاهر حب الناس له غداة التصويت على الميـثاق كانت مظاهر حقيقية ....... كانت عواطف شـعب يريد أن تنتشـــــله قياداتـه من دوامة عقود طويلة من الصدامات و التضحيات من أجل الكرامة و لقمة العيش و المســـاواة .
لكنني مع ذلك أتجرأ فأناشــد عظمة المـلك إلا يلتفت إلى الذين يقولون له أن الشـــعب لا يريد أن يكون شــريكا في العملية الإصلاحية ... أو الذين يقولون له أن الناس لا تريد أكثر من مكرمات دورية تتوالى , أو أن الناس لا تهتم إلا بيومها أو إنهـا ســـريعة النسـيان .
اسمحوا لي أن أتجرأ أيضا فأناشــد عظمة المـلك أن يسـتمر في ثقته بشـعبة كما وثق الشـعب به . فحين تكون الثقة متبادلة و راسـخة لا يحتاج عظمته إلى المكرمات لارضاء الناس , و ســـــيجد غالبية الناس , حين يصارحها , قادرة على تفهم ما تمر به البلاد من مصاعب .
فالملـك يعرف قبل غيره إن لبعض هذه المكرمات نتائج اقتصادية و اجتماعية ســـتظهر بعد فترة ليسـت طويلة في شــكل تضخم نقدي و في شـكل اســتحقاقات ديون تتراكم و لابد أن نسـددها نحن أو تسـددها بناتنا وأولادنا . و هذا موضوع أتركه لإخواننا و أخواتنا من الاقتصاديين فهم أهله .
و أخيراً أناشـد عظمته أن يتخذ ما يلزم من إجراءات تصالحية جدية لإعادة أجواء التفاؤل إلى هذا الوطن , إجراءات تساهم في منع تطور الأمور إلى غير ما يشـتهى و ما تشتهى . إجراءات تسـاهم في منع تحول هذه الأزمة الصعبة التي نمر بها إلى أزمة مركبة دسـتورية و ســياسية و أمنية ليست في صالح البلاد و اســتقرارها و رخائها .
أما بالنســبة لقياداتنا السـياســية و الاجتماعية فان تغيير قواعد اللعبة , بل و تغيير اللعبة نفسها يفرض إعادة النظر في جملة توجهاتها , أى هذه القيادات السـياسـية و الاجتماعية, لكي تقرر هل تشـارك في اللعبة الجديدة أو تمتنع. و عليها أن تدرس تبعات كل من الاحتمالين .
لم يعد المشـروع مشـروع إصلاح ديمقراطي يهدف إلى بناء مملكة دسـتورية و ديمقراطية يتساوى فيها الناس و تكون السـيادة فيها للشـعب كما هو حال الديمقراطيات الأخرى. فكما أشرت أعلاه , وجد عظمـة الـملك نفســه قادرا على اتخـاذ قـرار انفرادي بإعادة تعـريف المشـروع التغييرى ليصـبح مجـرد مشـروع للانفتـاح و الإصلاح السـياسـي المحـدود , مجرد مشـروع لـَبْرَلـَة سـياسـية لا تمس ثوابت النظام و خطوطه الحمـر .
لا تمتلك القيادات السـياسـية و الاجتماعية خيارات كثيرة لمواجهة هذا القرار الانفرادي فلقد جردت نفسها من أغلب أدواتها أن لم أقل جميع أدواتها . إلا أن قياداتنا تسـتطيع البحث عن أدوات جديدة و عن أسـاليب جديدة لادارة الأزمة الراهنة و منعها من التحول إلى أزمة مركبة سـياسـية و و دسـتورية و أمنية.
قياداتنا في حاجة الى أدوات جديدة تتلائم مع قواعد اللعبة الجديدة التى تم فرضها على السـاحة منذ الإعلان الانفرادي عن التعديلات الدسـتورية .
.............................
ويقد يهمكَ / يهمكِ متابعة الأمر من زاويتين أكثر قرباً مني لما يجري
......................ز
Thoughts on violence and unemployment
و
تنح يا خليفة
.
No comments:
Post a Comment