..................
لقد استطاع النظام أن يعيد رسم الخريطة السياسية / الاجتماعية في كل مرة أراد فيها ذلك . و كان تنافـس المتنافسـين من الوجهاء للحصول على مكـرمات النظام , عـلاوة على تنافـس المتنافسـين من الآخـرين على تحاشـي عقوبات النظام , أحد مرتكزات اسـتقرار النظام و إدامة ثنائية السـيطرة و الخضـوع
فلقد كان إشهار الولاء للنظام شرطا" لحصول شخص على مكرمة , بما في ذلك اعطائة الحق في التوسط لحصول آخرين على مكرمة من مكرمات النظام . كما كان إشهار عدم الولاء للنظام شـرطا" لإيقاع العقاب على شـخص بما في ذلك السـجن و التعـذيب و النفـي . و ما بين هـذين الاشــهارين , الـولاء و عدم الـولاء , كان الناس العاد يون , أبنـاء و بنـات الوطن , يمارســون حياتهم الاعتياديـة. بشـــكل عــام , لم يتعـرض النظـام لهؤلاء بخيـر أو شــر ما دامـوا ”غيـر مؤهلـين” لمكرمــة أو لعقــاب . بالنسبة لهؤلاء الذين حافظوا على كـراماتهم و هم يؤدون و وظائفهم في مؤسسات الدولة و خارجها , سعى النظام لبناء جدار خوف عال لا يمكن تخطيـه إلا بأحد الاشــهارين . و لحســـن حـظ البحـرين لم تضـطر غالبيـة النـاس , وهى تمـارس حياتهـا الاعـتيادية , إلى أي من الاشــهارين
أقول أن النظـام ظل يفضـل التعاطي مع الناس من خلال و سـطاء مختارين , الوجهاء ذوي الحظو ة على مختلف مستوياتهم . إلا أن النظـام احتفظ لحقه بتســمية هؤلاء بين فترة وأخرى , و احتفظ لنفســه جراء ذلك , بتقرير مدى و حجم و ســرعة تدوير النخب السياسية بما في ذلك الوجهاء التقليـدييـن و التكـنوقراط المتمدينيـن , و يوفـر الريـع النفـطي , كما الريـع الإســتراتيجي عبر المعونات المالية الخليجية , للنظام قدرات هائلة على اســتخدام المكرمة كأداة لاعادة رسـم الخريطة الســياســية و إعادة تشـكيلها بما يلائم توجهاته الظرفية أو الإستراتيجية, و ما يخدم الأطراف المتنافســة داخل العائلة الخليفيـة نفسها
تشكل المكرمة تحديا" لدارسـي العـلاقــات الاجـتماعيـة في البحرين نظرا" لخصوصية استخدام النظام لهــا . فعلى خلاف الكـويتيين أو القطـريين أو الإمـاراتيين لا يوجـد في البحـرين من يســتطيع أن يدعى أن المكرمة التي يحصل عليها (شــرهة) هي حق طبيعي من حقوق يستطيع أن يطالب بها , و أن يلزم الأمير بتوفيرها له . المكرمة في البحرين لا تعطى لمســـتلمها حقا" تتأســس عليه مطـالب لاحقة , و لا تعطى لمســـتلمها حقا" يبنى عليه توقع اســـتلامها بشـكل منتظم
المكـرمـة هي حـق مطـلق للأمـير فان شــاء منح و أن شــاء منع . و هو حـق بدأ يأخذ طابعـا" جـديـدا" في السـنتين الماضـيتين . فلقد أصبح حصول المواطن على مسـكن, أو عمـل , أو تعويض بطـالة , أو علاج صـحي أو حتى جواز سـفر مكرمــة
المقلـق في هذا هو أن جميـع المكرمـات , دون اســتثناء , تأتى من خزانة الدولة ذاتها , و ليس من الجيب الخاص .
و المقلق ثانيا أن أغلب هذه المكرمات تتعلق بحقوق أساســية من حقوق المواطنة كما تتعلق بواجبات أولية من واجبات الدولة .
و المقلق في هذا , أيضا أن هذا يشير إلى بروز منحى لدى بعض أجهزة الدولـة و لدى مؤيدي الأمير إلى مماهاة الدولة بالأمير و هي مماهاة لها مخاطرها التاريخية التي لا تخفى
أشير هنا إلى دور بعض أجهزة الدولة , و بخاصة الأعلام, و إلى مؤيدي الأمير , وبخاصة من ذوى الماضي المعارض , في مماهاة الدولة و الأمير و دورهم في شـخصـنة العملية السـياسـية بالأمـير و مـركزتها حوله , إلا أن دور تلك الأجهزة و أؤلئك المؤيدين إنما يستند في حقيقة الأمـر إلى إصـرار الأمـير نفســه على بقاء عمليـة التـغـييرالسـياسـى مشـروعـا" خاصـا" به , هو من صاغه ,وهو من يفسـره, و هو من ينفذه , و هو من يحـدد من يســتفيد منه و متى و كـيف
.................
.................
من ملاحظات حول حالتنا
نوفمبر 2001
.
No comments:
Post a Comment