Blog Archive

Tuesday, December 12, 2006

كتلة الشعب

.
إمتنعتُ طيلة شهر الإنتخابات عن التعرض لها من بعيد أو قريب استجابة لرجاء صديق لا يمكن أن يُردّ له طلب. ويعلم الله إنني أردت أن أخلف وعدي مرات عدة. إحدى هذه المرات كانت حين قرأتُ إن مترشحاً وصف القائمة التي ينتمي إليها بأنها امتداد لكتلة الشعب التي كانت تتصدر المعارضة الوطنية في برلمان 1973 - .1975 وبطبيعة الحال شعرتُ بإمتنان شديد أن يستذكر المترشحُ دور تلك الكتلة وأن يفاخر بأنه إمتدادٌ لها
.
لكن هل يمكن أن يكون أحدٌ إمتدداً لكتلة الشعب؟ جوابي هو بالنفي. فلا يمكن لأحدٍ، حتى لو أعطاه أحدُنا وثيقة شرعية، أن يكون كذلك. أقولُ هذا ليس دفاعاً عن ماركة تجارية كما لا أقوله وكالةً عن بقية الأحياء من أعضاء كتلة الشعب المُعلنين منهم مثل محسن مرهون وعلي ربيعة أو غير المُعلنين مثل علي دويغر وهشام الشهابي. لا أجادل في إنه من الممكن، بطبيعة الحال، إنشاء تجمع إنتخابي على ‘’شاكلة’’ كتلة الشعب بمعنى أن يضم في عضويته المعلنة وغير المعلنة شيوعيين وقوميين وبعثيين ومتدينين ومستقلين. ولن يكون مستغرباً أن ينجح هذا التجمع الجديد في اجتذاب نسبة معقولة من أصوات الناخبين. ولكن من الظلم تصوير كتلة الشعب في برلمان 1973- 1975 على إنها مجرد تجميع سياسي/ برلماني يمكن تكراره. فمثل هذا التصور يتناسى إن التاريخ لا يعيد نفسه كما يقولون. وإن اصطناع التكرار لن يخلق إلا صورة كاريكاتورية عن الأصل وهو ما حدث في البحرين حديثاً
.
لم تكن كتلة الشعب مجرد تجمع سياسي/ برلماني بل كانت ظاهرة سياسية/ اجتماعية وكانت ابنة وقتها. فلقد أسقط ناخبوها فتاوى العمائم من الطائفتيْن كما أفشلوا العراقيل التي وضعتها السلطة أمام مترشحيها. ويعرف المتابعون إن أول تلك ‘’العراقيل’’ كانت تسفير على دويغر أحد أهم مؤسسي الكتلة وتلا ذلك التسفير تهديدات بإجراءات مماثلة ضد آخرين. ونجح مترشحو كتلة الشعب في منافسة قيادات تاريخية في مقام المرحوم عبدالعزيز الشملان، القائد البارز في هيئة الإتحاد الوطني في الخمسينات الذي لم ينسَ الناس تاريخه الوطني وشجاعته أيام نضاله الوطني ولكنهم لم يتغافلوا بالمقابل عن بعض مواقفه التي بدت في عيونهم مهادنة للسلطة. وتكرر الأمر نفسه بسقوط مترشحين آخرين من ذوي التاريخ الوطني ممن ربطهم الناس بالسلطة. بالمقابل يشهد الإعلام الخارجي الذي واكب إنتخابات العام 1973 إن بعض الناخبين كانوا يردون على الدعاية الانتخابية لبعض المتدينين ضد مترشحي كتلة الشعب ‘’شيوعي شيوعي ولكننا سننتخبه" .ا
.
نعم كان الوقت مختلفاً. لكن أليس ثمة مجال للبحث عن إجابة على أسئلة من قبيل لمَ لم تنجح السلطة في إخافة مترشحي الكتلة وعزلهم عن ناخبيهم؟ ولمَ أسقط الناخبون المرحوم الشملان وهو القائد صاحب التاريخ الوطني الذي نُجّله جميعاً؟ ولم أُسقط وجهاء آخرون؟ ولمَ أعطى حتى المتدينون أصواتهم لأشخاص كانت قصاصات كتبها أصحاب عمائم من الطائفتيْن ترميهم بالإلحاد وتعيب عليهم دفاعهم عن حقوق المرأة؟. ا
.
لا أعرف الأجوبة كلها ولكني أرى بعض الإجابة في أن كتلة الشعب لم تطرح نفسها كخيار آخر بجانب القيادات التاريخية أو العمائم ينافسها في دورها كوسيط بين الناس وأهل الحكم. فلو هي فعلت ذلك لما نجحت أمام قائد مثل المرحوم عبدالعزيز الشملان أو في وجه إعلامي واسع الصلات مثل المرحوم محمود المردي، ناهيك عن آخرين. لو أراد الناس وسطاء إضافيين أو جدد بينهم وبين السلطة لما اختاروا أحداً من مترشحي كتلة الشعب وبعضهم لم يكن يملك حتى بدلة يلبسها لحضور إفتتاح المجلس الوطني. لقد كان الوسطاء من تجار السوق والسياسة والدين أكثر من الهمّ على القلب وكان كثيرٌ من هؤلاء مترشحين وكانوا يوزعون الوعود بالخير العميم. لم يقل أحدٌ من مترشحي الكتلة إنه سيبني بيتاً لناخبٍ أو يوفر عملاً لآخر فلو فعلنا ذلك لما صدقنا الناخبون بل لانفضوا من حولنا نحو الوجهاء القادرين بالفعل على التوسط لدى أهل السلطة لتوفير مسكن لهذا وعملٍ لذاك
.
لم يكن الناس يبحثون عن وسطاء جدد بل كانوا يريدون أصواتاً شجاعة تحتج باسمهم ضد ممارسات السلطة. وهكذا قدمت كتلة الشعب نفسها وهكذا كان أمل الناس فيها. لم يصوّت السنّة للكتلة كما لم يصوّت الشيعة لها ليس لأن الطائفية لم تكن فاعلة وفعالة بل لأن فقراء هاتيْن الطائفتيْن ومستضعفيها الذين كانوا يبحثون عن صوتٍ لهم. ولعل في هذا، ربما، يكمن بعض تفسير خروج مواكب العزاء في بداية 1974 رافعة شعارات من قبيل ‘’أول رسول للشعب.. العمالة شالته’’، أو من قبيل ‘’مال ميزان العدالة’’، للتنديد بإسقاط عضوية أحد أعضاء كتلة الشعب ممن كانت قصاصات الفتاوى ترميهم بالإلحاد وتعيب عليهم الدفاع عن حقوق المرأة
.
كانت كتلة الشعب أكبر من مجرد تجمع سياسي ولهذا يستمر تأثيرها المعنوي حتى الآن، وتعيش في ذاكرة معاصريها ويطمح كثيرون في أن يصبحوا امتدادا لها. وفي هذا مبعث اعتزاز لكل من ساهم في نشاط تلك الكتلة التي لم ينحصر تأثيرها في المحيط الأيديولوجي الذي تنتسب إليها ممارسات الكتلة بل نراه قد امتد ليشمل قوى صاعدة أخرى. وهو امتداد يشير إليه نائبٌ متدينٌ قام أثناء شهر الانتخابات باستذكار ما قام به أعضاء كتلة الشعب في البرلمان دفاعاً عن الوطن وعن حقوق العمال والفقراء وتحدث عن تأثير دور نشاطهم البرلماني في تشكيل جوانب من وعيه السياسي على رغم إنه لا يقر خلفياتهم الأيديولوجية. وهو بهذا الاستذكار يؤكد ما أشير إليه من الكتلة كانت ظاهرة ولم تكن تجمعاً انتخابيا يستطيع من أراد أن يكون امتدادا له
.
.

3 comments:

AbuRasool said...
This comment has been removed by a blog administrator.
AbuRasool said...

شكراً على إهتمامك.ا

لا أستطيع تحديد ميول الشباب في تلك السنوات. و لكني لا أظنها تختلف كثيراً عن اليوم. ففي الماضي كما الآن ثمة تعدد وثمة بحث عن أجوبة.ا

في الماضي كما في الراهن لا تتمكن بعض الأجوبة من الوصول إلى الناس وبعضها غير مقنع حتى لو وصل. ا

من جانبٍ آخر فلستُ متشائماً (مثلكِ؟) رغم إن الوضع أصبح أكثر سوءً منذ أكتوبر /نوفمبر عام 2005 أي بعد إتمام صفقة المقايضة سيئة الصيت. ولكنها الصفقة الأخيرة لا تختلف إلا في الدرجة عن صفقة مقايضة سابقة لها تمت في العام 1974
و أدت إلى إعلان مرسوم أمن الدولة

AbuRasool said...

ولكنها الصفقة الأخيرة لا تختلف إلا في الدرجة عن صفقة مقايضة سابقة لها تمت في العام 1974

و أدت إلى إعلان مرسوم أمن الدولة