.
أن هذه الاطروحات و المعالجات التي سلطت الضوء على سلبيات العملية الانتخابية و ما اعتراها من أخطاء و تجاوزات بلغت حد تفريغها من مضمونها و أهدافها ربما أوحت للكثيرين من القراء و كأن النظام الانتخابي هو العامل الرئيس وراء النواقص و السلبيات التي يعاني منها النظام الديمقراطي الذي جاء به دستور 2002. و بداية لا بد من التأكيد بأن هذه المداخلة السريعة لا تهدف من قريب أو بعيد الى التقيليل من شأن الأنظمة الانتخابية فأنا ممن يشاركون هؤلاء الكتاب و المعلقين رأيهم بأن النظام الانتخابي هو أحد المؤسسات الديمقراطية الخطيرة التي تقع عليها مسئولية ترجمة اصوات الناخبين الى مقاعد في البرلمان. و من هذا المنطلق فأنه من الضرورة بمكان تبيان أهمية و خطورة العملية الانتخابية واطلاع الناخب على حقيقة ما جرى في انتخابات 2006 و كيف أنها مثلت اختبارا حاسما على عدم شرعية النظام الانتخابي و على غياب مبادئ حرية و عدالة هذه الانتخابات
و اذا كان لمثل هذه الاطروحات و المعالجات هذا الدور الكبير و المهم في حقل التثقيف بالحقوق و الواجبات فأن العملية التوعوية يجب أن لا تقتصر أو تتوقف عند مناقشة العملية الانتخابية بل عليها أن تمتد و تتوسع لتشمل تلك المسائل و القضايا التي هي في مرتبة متقدمة جدا على النظام الانتخابي من حيث الأهمية والخطورة
ذلك أن النظام الانتخابي و ان تمتع بالمعايير الدولية من حيث صفات العدالة و النزاهة و الحيادية فماذا عسى هذا النظام العادل أن يفعله في الجانب الحقوقي و السياسي في ظل غياب المشروعية الدستورية و انعدام الصلاحيات التشريعية و الرقابية؟ و بمعنى آخر ما جدوى احتلال المعارضة لأغلبية المقاعد البرلمانية طالما أن السلطة التنفيذية هي من يهيمن على السلطة التشريعية و القضائية و لديها القدرة على منع احداث أي تغيير الدستور
و في هذا المضمار فأن تجربة الوفاق تغني عن التحليل و التنظير و أن هذه التجربة هي من الدروس الغنية التي يجب استيعابها و فهمها و البناء عليها في الحاضر والمسقبل. في الواقع أن الجمعية قد نجحت في ايصال سبعة عشر من مرشحيها الى مقاعد البرلمان و شكلت على اثر ذلك أقوى الكتل البرلمانية في المجلس , لكن هذه الكتلة القوية و معها النائب المستقل عبدالعزيز أبل لم ينتظروا طويلا ليكتشفوا حقيقة انعدام الصلاحيات التشريعية و الرقابية للمجلس و ليسارعوا في التعبير عن عجزهم و خيبة أملهم. بل أنهم لم يترددوا في تقديم اعتذارهم للناخبين لعدم تمكنهم من الوفاء بتعهداتهم و وعودهم التي قطعوها على أنفسهم و خاصة فيما يتعلق بالملفات الساخنة كالتجنيس و التمييز و الفساد الاداري والمالي ناهيك عن تغيير الدستور.
لكن السؤال الذي لن يجد جوابا له هو: هل غاب عن جمعية الوفاق حجم الصلاحيات التي وفرها الدستور و بالتالي كان لزاما عليها أن تدخل المجلس الوطني من أجل اكتشاف هذه الحقيقة؟ هل خفي على الوفاق أن هذا المجلس لا يملك حتى صلاحية تعديل لائحته الداخيلة و أن هذا التعدليل مرهون أيضا بموافقة مجلس الشورى المعين؟ و هل يعلم المجلس المنتخب أنه ليس من اختصاصه رسم قانون الانتخاب لعام 2010 و أن القانون الحالي سيظل هو المتحكم في العملية الانتخابية الى أن ترى السلطة غير ذلك؟ كيف غابت عن الوفاق كل هذه الحقائق و هي الشريك الأكبر في المؤتمر الدستوري و في الاشراف على اصدار الدراسة القيمة " المقارنة الدستورية " من قبل المحامين الوطنيين ؟ و على ضوء هذا الاكتشاف الكبير لا بد أن نسجل شجاعة أعضاء كتلة الوفاق في اقرارهم و اعترافهم للناخبين بأنهم مجرد نواب خدمات و أن ما هو متاح لهم في هذه الديمقراطية هو تقديم الاقتراحات برغبة و رفع الاسئلة للوزراء مع استعدادهم التام للانتظار طويلا لسماع رأي الحكومة.
هذا الطريق المسدود الذي وجدت كتلة الوفاق نفسها فيه يطرح علينا كمثقفين و معارضين موضوعا في غاية الخطورة ألا وهو استحالة التوصل الى تسويات سلمية حيال الصراع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي من خلال المؤسسات القائمة التي أوجدها دستور 2002 و يدفعنا دفعا للعودة الى الشرعية الدستورية المتمثلة في دستور 1973 أو كتابة دستور جديد عن طريق مجلس تأسيسي يختار أعضاؤه في انتخابات حرة و نزيهة. هناك أزمة دستورية تتفاقم و تأخذ أبعادا خطيرة و ليس أدل على ذلك من عودة الاحتجاجات والاعتصامات الى الشارع للتعبير عن فقدان الثقة في المؤسسة التي كانت الى وقت قريب تعدهم بحل قضاياهم و مشاكلهم المعيشية. و ما نشاهده من عودة جهاز الأمن و الاستخبارات لمنع الندوات والمسيرات والاعتصامات و اصراره على فرض الأمن و الاستقرار بالقوة يعيد الى الذاكرة أحداث التسعينات....................ا
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
.
نقلاً عن موقع وعد
.
No comments:
Post a Comment