.
.
كنتُ المتحدث الثاني في تلك الندوة غير الاعتيادية التي احتضنها نادي العروبة قبل سبع سنوات لمناقشة أولويات المرحلة. في تلك المداخلة القصيرة تناولتُ ما أعتبره أول الأولويات. أي حاجة بلادنا إلى التغلب على آثار انعدام الثقة بين أهل الحكم والناس. إلا أنني لن أتوقف عند هذا الموضوع، فلقد عرضتُه في مجالات مختلفة بما فيها هذه الصفحة
.
بالمقابل سأستعيد بعض ما طرحه أخونا رسول الجشي وخصوصاً ملاحظاته المنهجية على الحوار الدائر. من موقعه كشخصية وطنية مخضرمة بدأ الجشي بالاشارة إلى خطأ الحديث السياسي الذي يصور الأزمة القائمة بين الشعب والنظام على أنها أزمة ربع قرن أو ثلاثين سنة. فعلينا أن نعود إلى الوراء قليلاً لمعرفة الأسباب التي جعلت الثلاثين سنة الماضية تأخذ الشكل الذي اتخذته. فما حدث في حقبة أمن الدولة هو استمرار لما كان يحدث قبلها. ويتضح هذا الاستمرار في أداتيْن اعتمدهما البريطانيون لإحكام سيطرتهم على البلاد. تتمثل الأولى في زرع الطائفية واعتماد التشطير الطائفي كأداة من أدوات الحكم. ويضرب الجشي مثلاً على كيف استغل البريطانيون الإشراف الرسمي على التعليم النظامي لزرع الطائفية ورعايتها. فلقد كان تلاميذ المدرسة الواحدة يُقسمون حين تحين حصة درس الدين إلى قسميْن. واحدٌ يتولاه مدرس شيعي والآخر يتولاه مدرس سني. كنا صغاراً، يقول أبوغسان، ولم ننتبه إلى أن تلك كانت بداية زرع الطائفية التي استخدمها البريطانيون ضمن نهجهم المعروف «فرق تسد». أما الثانية فتتمثل في أن البريطانيين جعلوا «القلعة»، التي أصبحت وزارة الداخلية فيما بعد، مركز الثقل في البلاد وبؤرة القرار فيها. ولم يتأثر هذا الدور المركزي الذي تلعبه «القلعة»، أي الهاجس الأمني، بخروج البريطانيين. بل نراه قد استمر بعد إعلان استقلال البلاد وما تلا الاستقلال من تطورات إلى يومنا
.
.
.
No comments:
Post a Comment