Blog Archive

Wednesday, November 19, 2008

من قديم المقالات

.
.
نقلاً عن الطليعة الكويتية
23/3/2002


وسط حضور حاشد قدر بأكثر من ألف بحريني غصت بهم قاعة “المهندسين” وبدعوة من جمعية المنبر الوطني الديمقراطي البحرينية في الأول من شهر مارس 2002 ألقى الدكتور عبدالهادي خلف، محاضرة حول آفاق العملية الإصلاحية في ضوء التعديلات الدستورية الموسعة الأخيرة التي أجراها ملك البحرين ونظراً لأهمية المحاضرة ننشر فيما يلي مقتطفات منها
:
أود قبل أن أبدأ حديثي هذه الليلة أن أهنئ عظمة ملك البلاد الشيخ حمد على إعلان مملكة البحرين، متمنيا له كل خير·
ومتمنيا له ولنا أن نجتاز معا وبنجاح هذا الامتحان الصعب الذي نمر به، وأن تعود أجواء التفاؤل بمستقبل باهر لبلادنا كمملكة دستورية بجميع معاني الكلمة، مملكة يستند الاستقرار فيها الى توافق بين الحكم والشعب بجميع فئاته·
عند دخولي هذه القاعة رأيت وجوها ذكرتني ببعض من أفتقدهم من رفاق نضالنا: رأيت من يذكرني بسعيد العويناتي، وبالدكتور هاشم العلوي· فلهما ولعشرات آخرين من شهداء حركتنا الوطنية والدستورية أرجو أن تقفوا معي دقيقة حداد·· دقيقة ذكرى واعتزاز
·
قبل أسبوعين في 15 فبراير 2002 أعلنت البحرين مملكة، وأعلن عظمة الملك قراراته التي اتخذها منفردا ومن دون مرعاة لآراء ومشورة واعتراض بعض من قابلهم من قادة الجمعيات السياسية والاجتماعية وقوى المجتمع الأخرى· والتي أشارت عليه إما بالتريث أو بالالتزام بما قطعه على نفسه من تعهدات أمام الناس عشية التصويت على الميثاق قبل عام·
لقد سمعتم وقرأتم عن انتقادات بعضها حاد وبعضها مبطن بالمخمل والحرير وتراوحت هذه الانتقادات من التركيز على الجانب الانقلابي في هذه الإجراءات بينما اكتفى البعض بالإشارة دون تفصيل الى تحفظات واعتراضات مع التأكيد على أن هذا لا يعني نهاية المطاف· وتعرفون أيضا أن هناك من أشار الى أن احتفالات 15 فبراير هي احتفالات جنائزية لدفن دستور عام 1973· في الوقت نفسه هناك ترحيب ملحوظ ومتوقع من قوى اجتماعية وسياسية محسوبة تاريخيا على النظام·
أعداد كبيرة من الناس تشعر بأن التغييرات التي أعلنها عظمته قد جاءت على غير ما تتوقع وتأمل، أو جاءت بخلاف تعهدات أعطاها الأمير وقتها لها· ولهذا تشعر بخيبة أمل، بل وبخذلان شديد ومرارة· إلا إنني أرجو ألا يتطور هذه الشعور بالخذلان وبالمرارة الى قرارات سياسية متهورة تسهم في تحول أزمة الثقة الراهنة من حدودها الحالية لتصبح أزمة مركبة دستورية وسياسية وأمنية تعيدنا الى ما كنا عليه قبل الميثاق أو كما قيل لي الى ما هو أسوأ·
عشية إعلان المملكة في 15 فبراير 2002، وجد عظمة الملك نفسه قادرا على اتخاذ قرار انفرادي بإعادة تعريف المشروع التغييري ليصبح مجرد مشروع للانفتاح والإصلاح السياسي المحدود، مشروع “لبرلة” سياسية في أضيق الحدود، ولا تمس ثوابت النظام وخطوطه الحمر التي اعتمدها منذ عام 1975، عام الانقلاب على دستور عام 1973·
وبإعادة التعريف هذه لم يعد المشروع التغييري كما كانت المعارضة وغالبية النخب السياسية والاجتماعية تراه، مشروعا لإصلاح ديمقراطي، مشروعا يؤسس لمشاركة سياسية حقيقية، مشروعا لبناء دولة دستورية بالفعل لا بالاسم، والفروق بين المشروعين مشروع الإصلاح السياسي المحدود ومشروع الإصلاح الديمقراطي، فروق كبيرة كما هو واضح· لكن الفروق لا تشكل أساسا لتناقض جذري فيما بينهما·
لقد ناقش إخواننا وأخواتنا من أهل القانون والعارفين بدهاليز النصوص الدستورية ما أحدثه عظمة الملك بشكل انفرادي من تغييرات· ولا بد لي أن أعترف أنني غير مؤهل للدخول في مناقشة كهذه التي أتركها لأهلها·
لكنني لا بد أن أسجل اعتراضا أساسيا حول التغييرات باعتبارها قرارا انفراديا لم يأخذ بالحسبان دور الناس، وقياداتها السياسية والاجتماعية، كشريك في الوطن أولا، وكشريك موال لعظمة الملك ومتوافق معه على الحاجة الى تأسيس مملكة دستورية تساوي بين مواطنيها وتحفظ كراماتهم وتدافع عن مصالحهم وحقوقهم بما فيما حقهم في المشاركة المباشرة في التغيير السياسي·
وحين أشدد على هذا الاعتراض فإنني لا أدخل في مناقشة مدى دستورية حق عظمته في الإعلان منفردا على التغييرات على دستور 1973، ولا حول ضرورة هذه التغييرات والحاجة لها من عدمها· بل أنطلق من ضرورة الحرص· ونحن في بداية بناء الدولة الدستورية، على تأسيس الشراكة بيننا كمواطنين وبين عظمة الملك في الدولة الدستورية العتيدة·
لقد كان واضحا أن المشروع الإصلاحي كان يعاني ولا يزال من عدد من المعيقات التي لا بد لنا من الالتفات إليها وإزالة تأثيراتها على جهودنا المشتركة ملكا ونخبا معارضة أو موالية، ومواطنين، لإقامة الدولة الدستورية التي ننشدها، ولتأسيس المواطنة المتساوية، المواطنة الدستورية·
بعض هذه المعيقات قابلة للعلاج عن طريق إجراءات سياسية وقرارات إدارية لا يحتاج تنفيذها إلا شهواًر قليلة· إلا أن انعكاساتها المحتملة ستكون كبيرة باتجاه تأكيد نوايانا جميعا على تحقيق المصالحة التاريخية بين الحكم والشعب·
أقول أيضا إن هناك معيقات أخرى تحتاج الى جهود سنوات بل عشرات السنين· ولكننا لا بد أن نبدأ الآن ونحن نخطو خطواتنا الأولى نحو إصلاح سياسي في بلادنا·
لن أدخل هنا في تفاصيل المعيقات التي أراها للأسف تتعمق وتتكرس يوما بعد يوم رغم كل جهودنا ورغم كل الوعود والآمال· وهذه المعيقات ليست أسرارا لا يكتشف مكنونها إلا من قرأ ابن خلدون أو درس على يدي الوردي· بل هي معيقات يعرف بعضها أولادنا وبناتنا وهم يلعبون في السكيك أو يغسلون السيارات في المواقف· معيقات تدل على بعضها أرقام السيارات كما يدل عليها ارتفاع أسوار القصور ومواقعها الجغرافية·
الناس تعرف هذه المعيقات واحدة واحدة ولكل منهم حكاية أو حكايات تروى لتؤكد أن هناك مواطنين “سوبر” وهناك مواطنين درجة أولى ومواطنين درجة ثانية ومواطنين بلا درجة·
أؤكد هنا مرة أخرى أنني أرى أن بعض المعيقات التي تقف أمام جهودنا نحو بناء دولة دستورية تحتاج الى سنوات طويلة وجهود مكثفة تشمل القرارات السياسية والإجرائية الإدارية وتتخطاها لتشمل أيضا جهودا تربوية وتثقيفية تبدأ من الالتزام بمبادئ تكافؤ الفرص بين المواطنين وعدم التمييز بينهم في التوظيف في الدولة والمؤسسات العامة وفي فرص الترقي··· (حين نقرأ آخر قائمة لكبار موظفي الدولة الذين منحوا وسام الشيخ عيسى بن سلمان من الدرجتين الثانية والثالثة نجد تفاوتا كبيرا يعكس واقع الحال في الدولة للأسف وهو واقع يبنى على عقود طويلة من تطبيق سياسة التمييز والتفرقة بين أبناء وبنات الوطن على أساس خلفياتهم العائلية والإثنية والجنسية، أو على أساس مواقفهم السياسية·
قناعتي راسخة بأن عظمة الملك، إن اقتنع وأراد، قادر على توجيه سياسات الدولة باتجاه إزالة أشكال التمييز التي نشاهدها أينما يمننا وجوهنا، وبهذا سيؤكد عظمة الملك مصداقية مشروعه الإصلاحي·
الخوف على المشروع الإصلاحي كان وراء ارتفاع صوتي وحدة نبراته لا الرغبة في إحراج الطبالين والطبالات وحارقي البخور وحارقاته·
نعم، لن تقوم دولة دستورية حقة في بلادنا دون التغلب على هذه العقبات بمشاركة طرفين: الملك ومن معه، والشعب وممثلوه المنتخبون ولا بد للطرفين، كأي شريكين، أن يثقا في نوايا بعضهما· فمن نافل القول إن الصدقية هي شرط لنجاح أي عمل مشترك يقوم على التراضي والتوافق لا على الخضوع والإخضاع·
على المعارضة، بدرجاتها، أن تضع جميع هواجسها، جميع هواجسنا، جميع مخاوفنا، جميع أولوياتنا السياسية واضحة أمام الطرف الآخر، من جهة، وأمام الناس من الجهة الأخرى·
لا يمكن ولا يجب أن نتذاكى على الطرف الآخر أو على الناس· ولا يمكن أن نحتمي هنا بالتقية· كما لا يجب أن نتبارى على من منا يقوم بدور ابن العاص في تحكيم معركة الجمل·
لكن موقفا كهذا كان يحتاج الى وحدة المعارضة أو على الأقل كان يحتاج الى درجات عالية من التنسيق فيما بينها، وهذا ما افتقدناه منذ اليوم التالي للتصويت على الميثاق· أي منذ 16 فبراير عام 2001·
فمنذ ذلك اليوم بدأ التباعد بين قوى المعارضة وبدأ ما سماه الجابري نقلا عن الجويلي بالتدافع والتنافي بين المعارضة بدلا عن التعاون والتوافق· وبدأ التدافع على ما ظنه بعضنا أسلابا وغنائم· فهذا يطلب شيئا لنفسه في الغالب، وتلك تطلب شيئا آخر لنفسها في الغالب أيضا، وما خفي ربما كان أعظم·
لقد أدى التدافع بين قادة قوى المعارضة الى القبول بإرجاء عدد من الملفات العالقة والى عدم التعاطي مع معيقات المشروع الإصلاحي، وتم إسكات جميع الأصوات التي ارتفعت محذرة من مغبة هذا الإرجاء وذلك التجاهل بحجة عدم استثارة الحرس القديم، أو بحجة سوء التوقيت، أو بحجة أن التنبيه الى المخاطر هو تشكيك لا يليق بمصداقية عظمة الملك ومشروعه الإصلاحي·
شيئا فشيئا جردت المعارضة نفسها مما تبقى في أيديها من أدوات التفاوض إن لم نقل أدوات الضغط·
فكما رأينا تم الإعلان انفراديا عن نهاية لجنة العريضة ولم تفلح جميع المساعي التي بذلت لإحيائها كواجهة لها شرعيتها التاريخية كهيئة موحدة للمعارضة بتلاوينها المختلفة الوطنية والإسلامية وباعتبارها· أي لجنة العريضة، هي واجهة الحركة الدستورية التي عرفنا بها في البحرين وفي المحافل الإقليمية والدولية·
هناك أطراف عدة رأت في إنهاء لجنة العريضة مكسبا لها· ولكننا سرعان ما اكتشفنا أن إنهاء لجنة العريضة كان بداية التفتيت اللاحق منذ 16 فبراير عام 2001 وحتى الآن·
لم تكن المسألة مسألة شكلية· فغياب لجنة العريضة أصبح يعني عدم وجود طرف يمثل المعارضة في أي مفاوضات مع سمو الأمير وفريقه آنذاك· ولهذا لم يتمكن أي طرف من أطراف المعارضة، على اختلاف تلاوينها، من إقناع سمو الأمير وفريقه بفائدة التفاوض وضرورته للجميع فكان أن أصبح كل طرف يمثل نفسه ومناصريه· وتبين أن لكل طرف مصالحه الفئوية ومطالبه الخاصة·
فإذا أضفنا الى هذا ضعف إمكانات أطراف المعارضة السياسية بالمقارنة الى خبرة الحكم وإمكاناته، علاوة على البراعة التكتيكية التي يمتلك عظمة الملك زمامها، ومساحة الحركة التي تتيحها له إمكانات الدولة الريعية بالإضافة الى كرمه الملحوظ في الاستجابة الى جميع المطالب الخدمية التي رفعتها له قوى المعارضة السياسية ووجهاء المجتمع·
في ظل هذا الدور المركزي للملك أصبحت أدوارنا جميعا، وبخاصة أدوار قادة المعارضة السابقين ثانوية، وفي حالات معينة من باب لزوم ما لا يلزم·
على مضض قبلت بعض القيادات السياسية بهذا الدور الهامشي، أما البعض الآخر فقبلها بترحيب شديد تعبر عنه مثلا الى اليوم مقالات بعضهم ممن حصلوا على المكرمة المثلثة أو مكرمات شخصية أخرى·
وبافتراض حسن النوايا لدى الجميع، كان هذا القبول في مجمله بهذا الدور الهامشي هو ثمن ظن بعضنا ضرورة دفعه لضمان استمرار المسيرة الإصلاحية وتطورها سريعا باتجاه الانتخابات البرلمانية· وعندها حسبما ظن بعضنا أيضا، سيكون لكل حادث حديث·
لقد تغيرت قواعد اللعبة، لا بل تغيرت اللعبة نفسها قبل أسبوعين في 15 فبراير عام 2002· وما أرانا إلا على مشارف أزمة دستورية أرجو من الله أن نكون جميعا قادرين على تحاشي تحولها الى أزمة مركبة دستورية وسياسية وأمنية· ويتطلب هذا حسبما أرى تضافر جهودنا جميعا، ملكا ونخبا سياسية، معارضة وموالية، وشخصيات اجتماعية لكي نتحاشى عودتنا الى ما كنا عليه قبل الميثاق، ولكي نعود جميعا الى البحث الحثيث عن إجراءات إعادة بناء الثقة بين الشعب والحكم·
إنني أتجرأ فأناشد عظمة الملك ألا يلتفت الى الذين يقولون له إن الشعب لا يريد أن يكون شريكا في العملية الإصلاحية·· أو الذين يقولون له إن الناس لا تريد أكثر من مكرمات دورية تتوالى، أو إن الناس لا تهتم إلا بيومها أو إنها سريعة النسيان
·
اسمحوا لي أن أتجرأ أيضا فأناشد عظمة الملك أن يستمر في ثقته بشعبه كما وثق الشعب به

وأخيرا أناشد عظمته أن يتخذ ما يلزم من إجراءات تصالحية جدية لإعادة أجواء التفاؤل الى هذا الوطن، إجراءات تساهم في منع تطور الأمور الى غير ما يشتهي وما تشتهي. إجراءات تساهم في منع تحول هذه الأزمة الصعبة التي نمر بها الى أزمة مركبة دستورية وسياسية وأمنية ليست في صالح البلاد واستقرارها ورخائها
.
.

No comments: