Blog Archive

Tuesday, June 02, 2009

ترزية القوانين

.
.
صرتُ الآن أصدِّق أن كثيراً من المسؤولين لا يروْن ما يراه أكثر الناس. وأقصدُ خصوصاً أولئك المسؤولين الذين يلوّحون بالقانون في مواجهة احتجاج في شارع أو لتفنيد مطلبٍ أو اعتراض طُرِحا في ندوة أو مقالٍ أو جلسة برلمانية. وصرت أصدِّق أن هذا المسؤول أو ذاك يظّن أنه كسب «معركة» حين أحال المحتجين والمعترضين والمتسائلين إلى «القانون». بل ربما كان المسؤول مقتنعاً بأنه حين يفعل ما يفعل فإنه لا يبرئ ذمته فحسب، بل يساهم في تحويل البلاد إلى «دولة قانون». وإلا لماذا يتمسك وزراء لا يقلل أحدٌ من قدراتهم على الاكتفاء بقول إن ما يقومون بهم قانوني؟ ومعلومٌ أن لا اختلاف في هذا بين كبار المسؤولين وصغارهم. كما لا تختلف الكلمات سواء تعلق الأمر بواحدٍ من الخطوط الحُمر المعروفة أو بمسألة إجرائية وربما شكلية. ألا يرى المسؤولون فشل هذا الأسلوب في إقناع الناس بما تعتقده السلطة أو ما تتمناه؟ متى ستقتنع السلطة بأن مجرد إصدار القوانين والتكثير منها لا يضمن شَرْعَنَتَها؟ ا
.
يرتبط جواب أيٍ من السؤاليْن وما يتفرع منهما بتداعيات الموضوعة الرئيسة التي رددتها على هذه الصفحة. والتي تتلخص في أن ليس لقانونٍ حتى ولو ظنّه واضعوه عادلاً أية شرعية اجتماعية من دون قبول الناس طوعاً به وخضوعهم طوعاً لما يفرضه من إجراءات والتزامات. فلابد من طوعية القبول لتأسيس الشرعية الاجتماعية اللازمة. أقولُ لا يكفي صاحب سلطان أن يلوّح بقانون أو حتى بمجلدات قوانين ما لم يقنع الناس بأن في تطبيق تلك القوانين عدالةً وإنصافاً. فعلى أساس القول البليغ «من ضاق عليه العدْل فالجورُ عليه أضْيَق». يمكن الاستطراد إلى أن فرض القوانين فرضاً لا يولِّد طاعة لها حتى وإن خضعت الناس لتلك القوانين خوفاً أو تقية. فانتفاء عنصر الطوعية في طاعة القوانين يعني انتفاء أحد أهم الأسس التي تقوم عليها دولة القانون. ومعلومٌ أن دولة القانون لا تقوم لمجرد تكثير القوانين فيها، بل لابد من اقتناع الناس بأنهم يعيشون في ظل دولة قانون. لهذا أتساءل في كل مرة يلوّح فيها وزيرٌ أو موظفٌ ذو نفوذ بالقانون لتبرير إجراءٍ خلافي أو قرارٍ مفترٍ ماذا يحتاج ذلك المسؤول ليرى ما يراه الناس عبر تراثهم وعبر تعاملاتهم اليومية؟ فلا شك لديّ في أن من بين المسؤولين الكبار والصغار من يعرف ما جاء في الأثر من «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة».ا
.
.
.

No comments: