Blog Archive

Tuesday, June 16, 2009

ما دون الدولة

.
.
أحالني أخونا علي الديري مشكوراً إلى مقالات كتبها قبل سنتيْن [1] وتعرَّض فيها إلى إشكالية حاولتُ مقاربتها في مقالاتي «القانونية» أخيراً. ولتلك الإشكالية جوانب عدة متداخلة تثيرها أسئلة تتعلق من جهة بالأساليب التي تنتهجها السلطة سياسية لإقناع الناس بطاعة قوانينها. ومن الجهة الأخرى بأساليب تبرير الناس لطاعتهم لقوانين رغم عدم اقتناعهم بشرعية السلطة السياسة التي أصدرت تلك القوانين. ورغم تعدد الإجابات على هذه الأسئلة وما يتفرع عنها فإنني أميل إلى تلك الإجابات التي تشدد على دور التوافق الاجتماعي. ا
أسارع للتذكير بأن الوصول إلى هذا التوافق في الظروف الاعتيادية مشروطٌ بقدرة السلطة السياسية على إقناع الناس بأن طاعتهم لقوانينها يسهم في إنجاز بناء الدولة. وحين تفشل السلطة في هذا فإن الناس سيهتدون، بحسب تعبير الديري، إلى بيوت أخرى هي دون الدولة وفي الغالب خارجها - بموازاتها أحياناً وبديلاً عنها في أحيانٍ أخرى. ولا حاجة لمحاولة حصر كل الأشكال التي يمكن أن تتخذها تلك "البيوت الأخرى". فهي قد تكبر لتؤوي ائتلافاً قبلياً أو تجمعاً طائفياً أو هي قد تصغر فلا تضم أكثر من أفراد عائلة.ا
.
يتحول الكيان السياسي إلى ما حالة أقل من دولة عبر المرور في واحدٍ من طريقيْن. أولهما تختص به السلطة السياسية نفسها حين تقايض شرعيتها بطاعتها. أي حين يكون أقصى ما تريده تلك السلطة من الناس هو طاعة ما تصدره من قوانين تحدد لهم أوامرها ونواهيها. وعندما لا تجد غضاضة في رفض الناس لشرعيتها ماداموا يطيعون القوانين السارية. فهي لا تريد ولاءهم ولا تهتم بإشاعة حبها بينهم، بل تريد منهم أن يعبّروا بمختلف السبل عن طاعتهم لها وهم صاغرون. ولقد رأينا أن السلطات السياسية تتبنى للوصول إلى هذه الغاية واحدة أو أكثر من استراتيجيات أثبتت نجاعتها في السابق. ومن بين تلك الاستراتيجيات ما عرضته فيما كتبته عن «التشطير العمودي» للمجتمع. وخصوصاً ذلك النمط من التشطير الذي يعزز الانقسام في المجتمع عبر تشجيع نمو تعاضديات متوازية مفصولة عن بعضها بعضاً وعبر إدامة التنافس فيما بينها في الوقت نفسه. أما الطريق الثاني فهو متعدد المسارات ولكنها مسارات تختص الرعية بها. وعبر هذه المسارات يتم تثبيت الكيان السياسي في حالة «أقل من دولة» حين لا تعترض النخب السياسية والاجتماعية على اعتماد السلطة السياسية على استراتجيات التشطير وعزل التعاضديات القائمة عن بعضها الآخر. وتتعزز هذه النتيجة حين لا تواجه النخب السياسية والاجتماعية الجهود المبذولة لإعاقة عملية الاندماج الوطني وإعاقة إنتاج القيم المشتركة ومراكمتها لتأسيس هوية جامعة تهمش الهويات الإثنية والطائفية والقبلية. أخيراً يتحول الكيان السياسي إلى ما دون الدولة حين لا تجد النخب السياسية والاجتماعية غضاضة في استنكاف السلطة السياسية عن السعي إلى تكريس شرعيتها عن طريق قبول الناس بها
.
.
.
.

No comments: