Blog Archive

Tuesday, July 21, 2009

ذهبُ المُعِّزِ وسَيْفُه

.
.
ليس في مقال اليوم ''سياسة''. وليس فيه تعريض ضد السلطة أو فريق فيها كما ليس فيه انتقاد للمعارضة أو فريق فيها. وعِلّة ذلك إنني قضيتُ الأسبوع الماضي أحاول ألا أنشغل بهمٍ سياسي. ولقد تعودتُ بين فترة وأخرى أن أهربُ من المألوف إلى ما يتيسر لي مما تحفظه كتب التراث. ولقد كان من بين أقربها إلى القلب نسخة قديمة من كتاب ''الكشكول'' للشيخ يوسف البحراني. ومعلومٌ أنه وضعه قبل أكثر من قرنيْن فجمع فيه ما يجتمع في أمثاله من الحكم والأشعار والقصص والأحاديث وغريب المسائل الفقهية والطرائف. فليس خفياً كما قال رحمه الله ''أن الإنسان في هذه الدار لمَّا كان غرضاً للهموم والأكدار وهدفاً للغموم والآصار''. وهذا من جملة ما يستدعي ''ترطيب الدماغ بلطائف المداعبات، وترويح الروح بطرائف المطايبات، من إيراد النكت الفائقة والنوادر الرائقة، إراحة لتلك الأفكار المعتلة وتنشيطاً لتلك القلوب المختلة''. إلا أن كشكول الشيخ يوسف أكثر من مجرد كتاب للتنفيه عن الخاطر ولهذا بقيتُ محتفظاً به وبملاحظاتي على هوامشه لأزْيَد من أربعين سنة إلى أن استدانه متدينٌ ثم أنكر. ا
.
لحسن الحظ ثمة بدائل تفي بالغرض توفر لي بعضها حين احتجتُ في الأسبوع الفائت إلى ''ترطيب الدماغ وترويح الروح'' كما يقول صاحب الكشكول. ولعل قارئ وقارئة هذه الصفحة لا يمانعان أن أشركهما في ثلاث حكايات ''تراثية'' مما قرأت. وآمل ألا يحمِّلا هذه الحكايات أكثر مما تحتمل بل عليهما الحذر. فهي كأغلب مرويات التراث المكتوب والمحكي تعتريها شوائب الرواية والنقل ناهيك عما يختلقه الرواة المتحزبون وما يَدُّسه أهل الأهواء من المؤرخين. أسارع للقول إن ليس لاستدعاء الحكايات الثلاث علاقة بما يجري في البحرين منذ سنوات أو ما بيَّنه قانون تقاعد النواب والفتاوى الصادرة بحِليِّته. كذلك لا علاقة لها بنظرتي إلى التدافع الذي رأينا بداياته نحو مجلس 2010 . وهو تدافعٌ سيزداد شراسة بين الطامحين لانتخابهم لدخول الغرفة النيابية ناهيك عن الحالمين بانتقائهم لدخول الغرفة الشوروية. ا
.
تتعلق الحكاية الأولى بتعبير ''ذهبُ المُعِّزِ وسَيْفُه'' الذي أستخدمه كثيراً لتوضيح ما أصاب بعض أطراف المعارضة وخصوصا تلك التي دفعها الطمع إلى المغطس الذي هي فيه. ومعلومٌ أن المقصود هو المعزُّ لدينِ الله رابع الخلفاء الفاطميين الذي أمر ببناء القاهرة لتكون عاصمته. وكان المعزّ عند قدومه إلى مصر متمرسا في الحكم وإدارة شؤون الخلافة وتصريف أمور الدولة. ويروي ابن خلكان إنه عندما جاء المعزُّ إلى الديار المصرية بعد أن فتحها جوهر الصقلي باسمه[1] وجد من ''كان يطعن في نَسَبِه، فلما قرب من البلد وخرج الناس للقائه، اجتمع به جماعة من الأشراف فقال له من بينهم إبن طباطبا: إلى من ينتسب مولانا؟ فقال له المعزُّ: سنعقد مجلساً ونجمعكم ونسرد عليكم نسَبنا. فلما إستقر المعزُّ بالقصر جمع الناس في مجلس عام وجلس لهم وقال: هل بقي من رؤسائكم أحد؟ فقالوا: لم يبق مُعْتَبر. فسلَّ عند ذلك نصفَ سيفه وقال: هذا نَسَبي، ونثرَ عليهم ذهباً كثيراً وقال: هذا حَسَبي، فقالوا جميعاً: سَمِعنا وأطَعنا''. فوالاه من خاف من السيف ومن طمع في الذهب
,
.
.

No comments: