Blog Archive

Tuesday, December 19, 2006

«لا لتسييس مجلس النواب»

.
اشتكى رئيس تحرير صحيفة محلية في أحد المجالس ما اسماّه ‘’تسييس الانتخابات’’ في البداية، وعلى رغم أنه كرر الشكوى لأيام عدة في صحيفته، حسبته يتفكه وأن شكواه هي محاولة غير موفقة للتفكه. وإلا كيف يمكن لأحدٍ، حتى وإن لم يكن رئيس تحرير لصحيفة يومية، أن يشتكي من تسييس الانتخابات البرلمانية التي هي في أصلها وفصلها عملية اختيار بين ممثلي توجهات سياسية مختلفة تطرح برامج سياسية لإدارة المجتمع والدولة؟ صحيح إن البرامج المطروحة لم تُعطِ الحيّزَ الذي تستحقه بسبب طغيان الخطاب التلفيقي الذي ولّده فرض تقسيم مجتمعنا إلى تعاضديتيْن كُبرَيتيْن، سنية وشيعية، إلا أن حتى هذا الخطاب التلفيقي هو مغموس في السياسة بدليل أنه يسـوّق رؤية توافقت على خطوطها العامة السلطات السياسية في القبلية منها والدينية لما تريد أن تكون عليه صورة البحرين في الفترة المقبلة من تاريخها
.
أتفهم أن يرفع أحدٌ شعارَ ‘’لا لتسييس الرياضة’’ مثلاً، إلا أن هذا الشخص سرعان ما سيكتشف إنه لا يمكن فصل الرياضة عن السياسة وإلا لما بذلت البلدان الأموال الطائلة على رياضييها ليقوموا، مقابل الأموال والامتيازات التي يحصلون عليها، بالتغلب على رياضيي بلدان أخرى صرفت هي أيضاً أموالها عليهم. وحين ترتفع أعلام البلد الغالب وتعزف الفرق الموسيقية نشيده الوطني ويتردد اسمه بين الناس يعرف الحاكمُ إنه قد غلب حاكمَ بلدٍ آخر. وعندها أيضاً يعرف الحاكمان، الغالب والمغلوب، أنهما نجحا في إشغال الناس بما لا يضرهما أو يضر نظاميْهما. ويعرف كلُ متابع أن الجماهير التي يصيبها هوَس ‘’ما يغلبونا’’ في الملاعب والاستادات الرياضية لن ترفع الشعار نفسه أمام من يستغلها اقتصادياً و يضطهدها سياسياً طالما هو يوفر لها المتعة والتسلية التي تنسى بها همومها
.
أقولُ لا أحد يرفع بجدية شعار لا لتسييس الرياضة، لأن لا أحد ينكر أن الرياضة هي سياسة. هذا التخالط بين السياسة والرياضة ليس اكتشافاً جديدا. فقبل أكثر من ألفين سنة لخصت عبارة ‘’أعط الناس خبزاً و سيركاً’’ أحد استراتيجيات ممارسة الحكم والضامنة لاستقراره. فكلما ازداد انشغال الناس بالمهرجانات الفنية أو الرياضية أو التسويقية أو الدينية ازداد ابتعادهم عن الاهتمام بمشاكلها الحقيقية
.
وكما أن السياسة متداخلة في الرياضة فهي متداخلة في كل مظاهر حياتنا الاجتماعية. فليس واقعياً المطالبة بعدم تسييس التجارة أو العمل النقابي أو الديني والثقافي. فهذه كلها، كما غيرها، مجالات تختلط فيها السياسة كما يختلط الحليب بالماء. هي كلها مجالات نشاط سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. و لهذا أيضاً لا يأخذ أحدٌ بجدية من يطالب بعدم تسييسها
.
مقال منشور في الوقت بتاريخ 19ديسمبر 2006

2 comments:

AbuRasool said...

شكرأ على لطف كلماتك. أعجبتني حكاية الضلعينْن و القلب رغم إن دارسي الطب و علم الأحياء قد يعترضون حتى على الصورة المجازية

تحياتي
أبورسول

Anonymous said...

This is dark-comedy! I suppose it is the result of 30 years of systematic political de-education by the government. I wonder how long it will take until this joke of a writer loses his audience..

Anyway, I love the article. Thank you and please continue to write for Bahrain!